اسرائيل تحضر دفاعاتها الجوية استعدادا لجولة ثانية
انشاء بنى تحتية لطائرات مسيرة شبحية ومعالجة مخزون الصواريخ الاعتراضية
تنشر اسرائيل دفاعاتها الجوية على 83 موقعًا على امتداد جغرافيتها.
قبل يومين من القصف الإسرائيلي الأخير في اليمن، قام الجيش الاسرائيلي بتحريك منظومات دفاع جوي وسط البلد ظنًا منه أن الحوثيين سيردون في الوسط بقصف صاروخي. اختار الحوثيون ارسال طائرة مسيّرة إلى إيلات حيث فشلت الدفاعات الجوية في إسقاطها.
في الساعات الثماني والأربعين الماضية، تشهد الدفاعات الجوية الإسرائيلية نشاطا ملحوظا يؤشر على خطواتها المقبلة.
يمكنك ترقية اشتراكك للحصول على وصول كامل وغير منقطع إلى جميع أنواع المحتوى في هذه النشرة.
في أعقاب الحرب التي استمرت اثني عشر يوماً مع إيران، والتي كشفت عن نقاط ضعف حرجة في منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية—لا سيما نفاد مخزون الصواريخ الاعتراضية—شرعت إسرائيل في حملة توسّع عسكرية غير مسبوقة، تهدف إلى إعادة هندسة بنيتها الدفاعية والاستخباراتية لعصر الحروب الهجينة. وتكشف صور الأقمار الصناعية، التي تم تحليلها عبر تقنيات OSINT، عن مشروعَين استراتيجيَّين يشكلان العمود الفقري لهذا التحوّل: توسيع موقع منظومة THAAD الدفاعية، وتوسيع البنية التحتية للطائرات المسيرة الشبحية من طراز RA-01 في قاعدة رامون الجوية. هذان المشروعان ليسا مجرد استجابة تكتيكية، بل هما جزء من استراتيجية أوسع لبناء “درع رقمي-جوي” قادر على مواجهة التهديدات الباليستية والطائرات المسيرة المعادية في آنٍ واحد.
توسيع منظومة THAAD: سد الثغرة الباليستية
تُظهر صور الأقمار الصناعية قيام الجيش الإسرائيلي بتوسيع موقع منظومة الدفاع الصاروخي بعيدة المدى THAAD (Terminal High Altitude Area Defense). وشمل هذا التوسيع إضافة أربع منصات إطلاق جديدة إلى الست منصات القائمة مسبقاً، ليصبح المجموع عشر منصات—ما يعادل تقريباً بطارية THAAD كاملة وفق المعيار الأمريكي.
وقد بدأ العمل على هذا التوسيع فوراً بعد انتهاء الحرب، في إشارة واضحة إلى أن القيادة العسكرية الإسرائيلية اعتبرت الأزمة التي كشفت عنها المواجهة—والمتمثلة في استنزاف مخزون الصواريخ الاعتراضية لمنظومة “القبة الحديدية” و”السهم”—تتطلب حلاً جذرياً وليس ترقيعاً مؤقتاً.
ما هي منظومة THAAD؟
THAAD هي نظام دفاع صاروخي أمريكي الصنع، طوّرته شركة رايثيون (Raytheon)، وهو مصمم خصيصاً لاعتراض الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة وشبه متوسطة المدى. وتتميّز هذه المنظومة بأنها تعمل في مرحلتي الطيران المتوسطة والنهائية للصاروخ المعادي، وعلى ارتفاعات عالية تصل إلى خارج الغلاف الجوي. وبدلاً من استخدام رأس حربي تقليدي، تعتمد صواريخ THAAD على تقنية “الاصطدام القاتل” (Hit-to-Kill)، حيث تُدمّر الهدف من خلال طاقتها الحركية البحتة عند الاصطدام المباشر .
ويصل مدى اعتراض THAAD إلى حوالي 200 كيلومتر ، وهو ما يمنح إسرائيل قدرة غير مسبوقة على اعتراض الصواريخ الإيرانية أو الحوثية قبل أن تصل إلى العمق الإسرائيلي. كما أن رادارها AN/TPY-2 هو من نوع المصفوفة الممسوحة إلكترونياً (Phased Array)، ويتمتع بقدرات فائقة على الكشف، التصنيف، والتمييز بين الأهداف الحقيقية والخداعية على مسافات شديدة البعد . والأهم من ذلك، أن THAAD مصممة للعمل كجزء لا يتجزأ من شبكة دفاع جوي متكاملة، حيث يمكنها مشاركة البيانات في الوقت الفعلي مع أنظمة أخرى مثل “القبة الحديدية” و”السهم”، لخلق طبقات دفاعية متداخلة.
تطوير البنية التحتية: استعداد لحرب طويلة الأمد
بجانب إضافة منصات الإطلاق، رُصدت في الموقع أنشطة عمرانية واسعة النطاق شملت إنشاء مبانٍ جديدة وأعمال تعبيد طرق داخلية. هذه التحسينات ليست تجميلية؛ بل هي مؤشر على نيّة إسرائيل تحويل الموقع إلى قاعدة دائمة ومستقلة لوجستياً، قادرة على الصمود خلال حرب طويلة الأمد. فخلال المواجهة الأخيرة، برزت نقاط ضعف في قدرة بعض المواقع الدفاعية على الاستمرار في العمل تحت الضغط اللوجستي والعملياتي. والتوسع الحالي هو محاولة مباشرة لتجاوز تلك الثغرات، من خلال ضمان توفر البنية التحتية لدعم الطواقم، تخزين المعدات، وصيانة الأنظمة دون انقطاع.
قاعدة رامون الجوية: مهد الطائرة المسيرة الشبحية RA-01
في توازٍ مباشر مع التوسّع في موقع THAAD، كشفت صور الأقمار الصناعية أيضاً عن توسّع كبير في البنية التحتية المخصصة للطائرات المسيرة في قاعدة رامون الجوية في جنوب إسرائيل. وتشير التحليلات إلى أن هذا التوسّع يستهدف بشكل خاص أسراب الطائرات المسيرة الخفية من طراز RA-01، التي لعبت دوراً محورياً خلال الحرب الأخيرة ضد الأهداف الإيرانية .
ما هي طائرة RA-01؟
RA-01 هي طائرة مسيرة شبحية (Stealth UAV) لم تُعلن عنها إسرائيل رسمياً، لكن وجودها تم تأكيده من خلال تسريبات وثائقية ورصد بصري متكرر فوق سوريا والجولان . وتشير التقديرات إلى أن تصميمها يعتمد على هيكل جناح طائر (Flying Wing) مشابه للطائرة الأمريكية RQ-180، مع استخدام مواد مركبة متطورة قادرة على امتصاص أو تشتيت إشارات الرادار، مما يجعلها شبه غير مرئية للأنظمة الدفاعية المتطورة .
ووفقاً للمصادر، فإن RA-01 مصممة لأداء مهام استطلاع استراتيجي وهجوم دقيق في أعماق أراضي الخصم، لا سيما إيران . وهي مزودة بمحرك نفاث واحد، وتستطيع الطيران على ارتفاعات عالية لفترات طويلة، مما يمنحها “نطاقاً استراتيجياً” يتجاوز بكثير قدرات الطائرات المسيرة التقليدية . وقد تم استخدام هذه الطائرة بالفعل في عمليات ضد البنية التحتية الصاروخية الإيرانية خلال المواجهة الأخيرة .
وتشير أعمال التوسع في قاعدة رامون—التي تشمل بناء ممرات طيران جديدة، وحظائر إضافية، ومرافق دعم متقدمة —إلى أن إسرائيل تعتزم زيادة الاعتماد على هذا النوع من المنظومات الجوية كجزء أساسي من عقيدتها العسكرية المستقبلية. فالحرب الأخيرة أثبتت أن الطائرات المسيرة الشبحية قادرة على اختراق الدفاعات الجوية المعادية وتنفيذ ضربات جراحية دون تعريض حياة الطيارين للخطر.
الاستثمار الإسرائيلي في THAAD والـRA-01 ليس مجرد شراء أسلحة جديدة. إنه إعادة هندسة كاملة لمفهوم الردع.